إنه لخبر جيد وآخر سيئ جاءا معاً، الجيد كان تصنيف المنشق سعد الفقيه إرهابياً وذا صلة بـ"القاعدة"، والحق أنه كذلك إذ لم يخفِ ميوله يوماً، منذ أن استقر في ضواحي لندن ليحلم بقيادة ثورة، على الدولة والمجتمع السعوديين. لقد نفى وجود علاقة تنظيمية بينه و"القاعدة"، وهو أمر ستقرره التحقيقات القادمة، إلا أنه دار في دوائرها الفكرية، وشارك في الجدل بين منظريها الذين صنعوا فقهها في التسعينيات وتعاطف مع طموحاتها ومشاريعها الكارثية.
أما الخبر السيئ فهو إقحام رجل أعمال فاضل عرفته لسنوات طويلة وفياً لدينه ودولته، مع أولئك القوم وهو منهم براء، وأقصد الأخ عادل بترجي الذي أضافته الخزانة الأميركية إلى قائمة ممولي "الإرهاب" ومنها إلى الأمم المتحدة، ومنها إلى العالم كله ليجمد ماله وأصوله ويمنع من السفر، ويُقضى على مستقبله التجاري، دون أن يستطيع الدفاع عن نفسه، وذلك بعد وقوعه في دائرة مغلقة صنعتها الهيمنة الأممية الأميركية. والحق أن عادل عرف زعيم "القاعدة" أسامة أفضل بكثير من سعد، ولكنه كان على محجة بيضاء فرفض الفكر المتطرف عندما سمعه "يلاك" في "بيشاور"، واستسخفه ونأى بنفسه عن هذا العبث، ونصح غيره وألزم نفسه ومن معه في أعمال الإغاثة ونصرة المسلمين مضحيا بوقته وماله، وأتحدث هنا كشاهد عيان عاش تلك الفترة بحلوها ومرها.
لقد تأخرت عملية الإطباق والتضييق على سعد الفقيه كأحد عناصر التحريض على العنف والفتنة في وطننا، والتي تعاونت على إنجازها أكثر من جهة سعودية، ذلك لأن مفتاحها كان في واشنطن بحكم موقعها المسيطر على "المنظومة الأممية" وآلياتها والتي تأخرت لسبب غير مقنع عن اتخاذ الإجراء الأخير لأكثر من عامين رغم علمها بتفاصيل علاقاته المالية والتنظيمية مع "القاعدة"، والتي كانت محددة ومؤكدة و"أكثر معاصرة" على خلاف الأدلة التي استخدمتها ضد سعوديين آخرين أمثال وائل جليدان، وياسين قاضي اللذين أضيفا إلى القائمة المشؤومة غداة 11 سبتمبر، وأخيراً عادل بترجي وكلها أدلة ظرفية وقديمة تعود إلى زمن كان هؤلاء "شركاء" في الحرب على "إمبراطورية الشر السوفيتية".
ولكن قبل أن نحتفل بهذا النجاح والذي يستحق أن يدرج في إطار حربنا على "الإرهاب"، يجب أن ننتبه إلى "فخ" ربما يعد لنا في اتهام عادل بترجي، فإدانة الرجل إنما هي إدانة لعشرات من رجال الأعمال والمؤسسات الوطنية وحقبة سعودية كاملة بفعلها ورجالها. فلو أدين نصف رجال الأعمال الذين تختفي أسماؤهم في حيثيات اتهام السيد بترجي، فإن كارثة ستحيق بالاقتصاد السعودي. ولو أدينت الحقبة التي خدم خلالها عادل سنجد أنفسنا في مصاف "محور الشر" والدول المارقة، وهو ما تسعى إليه قوى عدة في الولايات المتحدة وغيرها تنشط خلف أسماء "جين شارلز بريسارد" المحقق الفرنسي، وكبير محققي قضية أسر وضحايا 11 سبتمبر، و"لورانت مورافيك" صاحب تقرير مؤسسة "راند" الذي قدم في معهد الدراسات الدفاعية في البنتاجون الأميركي، وتم التراجع عنه لاحقاً، و"دوري جولد" السفير الإسرائيلي السابق في الأمم المتحدة والذي بدأت تتضح صورة نشاطه ضد المملكة وأنها أوسع من مجرد تأليف كتاب تحريضي كريه ضدنا، إلى علاقات واسعة وتنسيقية في قيادة الحرب الباردة التي تشنها إسرائيل على المملكة في واشنطن وعواصم عالمية أخرى.
للأسف فإن كثيراً من معلومات هؤلاء نجدها في بيان وزارة الخزانة الأميركية الذي أعلنت فيه تصنيف سعد الفقيه وعادل بترجي كممولين لـ"لإرهاب". وبينما يمكن أن نتفق ونزيد معلومات على ما لديهم بخصوص الفقيه، فإن من الحكمة أن نقرأ بعناية ما جاء في حق البترجي، وآخرين ورد ذكرهم ضمناً في البيان ولنتأمل هذه الفقرة: "لقد أشارت الأدلة إلى علاقة "منظمة البر الخيرية" (هيئة إغاثية مستقلة شارك عادل أوائل التسعينيات في تأسيسها وما لبث أن ابتعد عنها استجابة لرغبة رسمية، وقصتها يمكن أن تروى مع قصة السيد بترجي لاحقا) والتي ظهرت في مارس 2002 إثر تفتيش قامت به السلطات البوسنية في سراييفو، حيث كشفت أوراق مكتوبة بخط اليد تكشف البدايات وتاريخ منظمة "القاعدة"، ومن بينها ورقة بخط اليد كتبت عام 1988 ضمت أسماء ممولين أثرياء لعمليات مجاهدي أسامة بن لادن في أفغانستان، وتوصف في أوساط "القاعدة" بـ"السلسلة الذهبية".
في أجواء اتهامية كهذه لا أحد يريد أن يكون ضمن هذا "السلسلة الذهبية" فهي بالفعل استخدمت في تشويه سمعة عدد من كبار رجال الأعمال السعوديين ومنهم الشيخ خالد بن محفوظ الذي اضطر إلى تفنيد هذه الورقة قضائياً، بينما هي في حقيقتها لا تعني شيئاً قانوناً.
أعتقد أن القصة بدأت تتعقد، فما هي هذه السلسلة وما خطورتها؟ يجب أن نعود إلى عام 87 أو 88 عندما كانت أفغانستان وقتها أرض البطولة والجهاد، ولم يعد ما حصل وقتها سراً. حتى في ذلك الوقت لم يكن السر بالخفي عن أحد بأن المملكة والولايات المتحدة وباكستان ودولاً أخرى تقود معاً أكبر حملة هددت الاتحاد السوفيتي ومستقبله منذ انتصار البلشفية عام 1917. فوفرت المال والسلاح